Wednesday 28 February 2018

ايمانويل.. الفرنسية التي سلبت عقلي

ملخص ما سبق نشره من المدونة:  انهيت الصف الثاني من كلية الطب جامعة بغداد.. في صيف 1969 كان عمري وقتها ثمانية عشر عاماً.. وقررت القيام برحلة مغامرة كبرى اثناء العطلة الصيفية وهي السفر بطريقة الاوتوستوب عبر  دول اوربا...   كنت ادوّن احداث السفرة ثم قررت نشرها على هذه المدونة التي اسميتها (رحلة البحث عن الذات).في هذه الحلقة كنت قد مررت بتركيا وبلغاريا ويوغسلافيا وهنغاريا وتشيكوسلوفاكيا والمانيا وهولندا ثم جئت مارا ببلجيكا ثم فرنسا ومنها الى اسبانيا..ثم عبرت المتوسط الى المغرب فالجزائر وصلت البارحة الى الحدود التونسية ولكنهم رفضوا دخولي لانني ليس عندي تأشيرة تونسية واضطروني للعودة الى مدينة (عنابة) القريبة من الحدود اخبرتني القنصلية التونسية ان الموافقة على التأشيرة قد تستغرق اسبوعا او اكثر وها قد حصلت على تأشيرة مرور اليوم..


الثلاثاء 30 أيلول 1969  
        لم اعان كثير من المشاكل في الحدود التونسية هذه المرة.. فعندي تأشيرة دخول رسمية... وفي وقت قصير دخلت سيارة الاجرة الى الاراضي التونسية ... 
وفيها ركابها السبعة بكامل عددهم ... مررنا بالكثير من الاراضي التي تحولت الى مستنقعات هائلة الحجم بسبب كارثة الفيضانات التي مرت تونس بها منذ بضعة ايام... 

      ولمسافة العشرات من الكيلومترات كنت تلاحظ البؤس والدمار على يمين ويسار الشارع... بيوت مهدمة... حيوانات نافقة... وخيام نصبت في اماكن عالية... كانت الفيضانات هي الاسوأ فعلاً لسنين طويلة... في الانباء ان هناك ثلاثمئة الف لاجئ... تدمير سبعين الف بيت ...

                 نفوق مليون من الماشية وموت اكثر من الف  شخص... وعشرات الجسور اقتلعت من مكانها.. وسد كلفته سبعة ملايين دولار اختفى نهائياً من الوجود!.. انها صورة مصغرة من طوفان نوح كما وصفتها الصحف الامريكية... وخرج الرئيس التونسي (الحبيب بورقيبة) على وسائل الاعلام مطالباً الدول بالمساعدة ...امريكا ارسلت اسطولا من الطائرات للاخلاء مع فرق طبية... كما ارسلت بقية الدول -بما فيها العراق- الكثير من المعدات والبطانيات اضافة الى الاموال.. للمساعدة...
        وصلنا تونس العاصمة قبيل وقت الفجر.. وهناك توقف التاكسي في محطة للتاكسيات للراحة ولكي يتناول اركاب فطورهم.. 
         بعد الفطور عرفت الخبر الجديد المفجع... فقد اكد لي جميع سائقي التاكسي الذين يعملون على خط النقل تونس-ليبيا... ان ليبيا قد اغلقت حدودها بسبب الانقلاب الذي حصل ضد الملك (السنوسي) في بداية الشهر... ومجئ (معمر القذافي) للحكم واعلان ليبيا جمهورية... حيث حصلت اضطرابات كثيرة... لذا فقد تم اغلاق الحدود..  وان اي شخص غير ليبي مهما كانت جنسيته.. لايسمح له بالدخول الى ليبيا.. ونصحني السائقون الليبيون بأن اوفر على نفسي معاناة الذهاب الى الحدود لان ذلك سيكون بلا جدوى!.. اذ سوف تتم اعادتي من الحدود!.. كما فعلت السلطات الليبية مع الكثيرين من غير الليبيين خلال الايام القليلة الماضية!...
            تأكد لي الخبر من عدة مصادر.. وتيقنت من حقيقته.. اذاً لن يمكنني ان احقق خطتي بالذهاب الى مصر عبر ليبيا!... فليبيا صارت مغلقة الان... وفكرت في كلية الطب والدوام الذي بدأ فيها... وفوراً اتخذت قراري بالعودة للعراق عن طريق اوربا.. استفسرت وعرفت ان هناك باخرة يومياً من ميناء (حلق الواد).. الميناء البحري الرئيسي في تونس العاصمة الى مدينة (باليرمو) في (صقليا) الايطالية...
      هرعت الى السفارة الايطالية حيث حصلت على التأشيرة الايطالية بسهولة.. وذهبت الى الميناء.. حيث وقفت بطابور طويل لشراء بطاقة الباخرة المغادرة هذه الليلة الى صقليا!.. عندما وصل لي الدور لشراء البطاقة.. كانت الدرجة الزهيدة الثمن (ظهرالباخرة) (اون دكOn Deck).. قد نفذت ولم يبق امامي سوى الدرجة الثانية.. كان سعر البطاقة حوالي (اثني عشر دولاراً) وفيها.. اي الدرجة الثانية .. احصل على سرير في غرفة نوم ذات سريرين ذواتا طابقين.. تكفي  لاربعة اشخاص..  ولكن وجبات الطعام غير مدفوعة.. اشتريت البطاقة.. وكنت سعيداً فعلى الاقل سوف اكون غداً صباحاً في (صقلية) الايطالية! ومنها الى اوربا ثانية...

          في انتظار موعد العبارة.. وفي ميناء (حلق الواد) وهوالميناء الرئيسي التجاري لمدينة تونس العاصمة.. تعرفت على شابين مغربيين كانا يشتغلان في اوربا.. (احمد المولى) و(ادريس) .. ما ان توثقت معرفتنا حتى دعياني الى تناول طعام العشاء معهما في احد المطاعم القريبة.. كان عشاءاً فاخراً.. واحاديث ممتعة مع الشابين الذين كانا متحمسين جداً لافكار العروبة وللاسلام...
       في حوالي التاسعة مساءاً صعدنا في الباخرة.. سلمنا جوازاتنا الى الشخص المسؤول في الباخرة.. والذي اخبرنا اننا سنستلمها ثانية صباح الغد بعد ختمها بالدخول الى ايطاليا...
     جلسنا في البهو الرئيسي في الباخرة.. وهناك جلس جنبي اثنان من السواح... فتاة رائعة الجمال.. كانت ترتدي (الجلابية) المغربية.. لكنها كانت فرنسية اوربية .. ومعها شاب اصغر منها حجماً.. وكانا يسافران سوية بالاوتوستوب... عرفتني باسمها على انها (ايمانويل) من فرنسا... هي طالبة طب في الصف الثاني.. اي مثلي... وكانت قادمة من رحلة عبر شمال افريقيا مع زميلها الهادئ هذا... كانت (ايمانويل) تملك صورة المرأة الرائعة المثالية الجمال التي صعقتني بكهرباء الف واط!.. جلست احدثها لاكثر من ساعة.. ثم انفض شملنا حين ذهب كل منا الى (كابينة) الباخرة التي حجزها... للنوم..
       كانت (كابينتي) تحتوي على اربعة اسرة كل اثنان فوق بعض.. سبقني اليها ثلاثة شباب عرفوني بانفسهم على انهم إنكليز..  ال(كابينة) كانت تحتوي على مغسلة .. وحمام به تواليت و(دوش) ماء ساخن منعش.. جلسنا نتحدث حتى منتصف الليل .. ثم القيت بنفسي على فراشي ورحت في نومة عميقة.


1 comment: