Wednesday 28 February 2018

جميلة .. الجميلات

ملخص ما سبق نشره من المدونة:  انهيت الصف الثاني من كلية الطب جامعة بغداد.. في صيف 1969 كان عمري وقتها ثمانية عشر عاماً.. وقررت القيام برحلة مغامرة كبرى اثناء العطلة الصيفية وهي السفر بطريقة الاوتوستوب عبر  دول اوربا...   كنت ادوّن احداث السفرة ثم قررت نشرها على هذه المدونة التي اسميتها (رحلة البحث عن الذات).في هذه الحلقة كنت قد مررت بتركيا وبلغاريا ويوغسلافيا وهنغاريا وتشيكوسلوفاكيا والمانيا وهولندا ثم جئت مارا ببلجيكا ثم فرنسا ومنها الى اسبانيا..ثم عبرت المتوسط الى المغرب فالجزائر وها انا اقطع شمال الجزائر من غربها متجهاً الى شرقها..



               لم نقف طويلاً! اذ ان ال(جاندارم) استخدم سطوته وصلاحياته! حيث اجبر سائق حافلة صغيرة (ميني باص) على التوقف رغم اكتمال عدد ركابها!.. عندما عرف بانها ذاهبة الى (قسطنطينة) اجبر السائق على ان نصعد معه وهو يقول له:         "وماذا نفعل في هذا الحر الشديد ان لم تكن هناك سيارات؟ يجب ان توصلنا معك!".. 
       تذمّر السائق واحتج بانه لايوجد مكان يسعنا في الحافلة الصغيرة , لكن ال(جندارم) ارغمه على ان يقبلنا في سيارته... لان الجو قد صار حاراً جداً ولايمكننا الانتظار اكثر!.. حشرنا انفسنا بين الركاب.. وتحركت الحافلة بنا وسائقها يتمتم متذمراً محتجاً! اما انا فرغم كوني  مستفيداً من  ذلك الا انني لم اتقبل فكرة اجبار الناس بهذه الطريقة من قبل العسكر!.


    في الساعة الواحدة ظهراً وصلنا الى عاصمة الشرق الجزائري.. مدينة (قسطنطينة)..

 وتمشى معي ال(جندارم) ليوصلني الى خارج المدينة على الطريق المؤديه الى (عنابة)!.. كانت (قسطنطينة) بحق ابدع مدينة رأيتها في الجزائر!.. بل ربما في كل سفرتي هذه!.. بها منظر فريد لايمكن لاي انسان ان ينساه.. 

ولاتزال صورتها محفورة في مخيلتي.. ذلك هو منظر الوادي السحيق الذي يشطر المدينة.. او ان المدينة فعلا على قمة جبلين او جبل واحد مشطور الى شطرين...

 يمر منه واد سحيق حجري هائل... يجري في اسفله نهر.. وقد انشئت جسور حجرية ثلاثة على الوادي ..احدها للسيارات والاخر للمشاة والثالث لكليهما... انه من اجمل المناظر التي رأيتها في الشرق او الغرب.. 
       كان منظر (قسطنينه)  يسلب اللب.. اخذت انظر اليه مدهوشاً .. 

هذا الوادي الرائع العميق.. هذه الجسور الصخرية..  تحكي قصة مدينة قديمة جداً.. مدينة موجودة منذ عصر الرومان.. هذه المدينة الجميلة الساحرة... وبجسورها الصخرية الشاهقة... انها بالتأكيد تحكي قصة امجاد امبراطورية عظيمة في ازمان خلت..
        وقفت امام الجامع الكبير وانا اتمعن في روعة وابداع ذلك الجامع الكبير.. 

           كانت افواج المصلين الجزائريين تخرج بعد اداء صلاة الجمعة وقد  حزّ في نفسي ان لا اكون معهم!.. هذه البلاد البعيدة.. ماكان سيربطني بها رابطة لولا هذه الصلاة؟.. صلاة الجمعة هنا.. وفي هذا الساعة سوف تخرج وفود كبيرة من جامع (دراغ) حيث اسكن في بغداد.. سيخرج ابي واخواي بعد ادائهم الصلاة.. ما اقرب هذا المكان بروحه من بيتي.. وما ابعده بمسافته.. هؤلاء المصلون لايختلفون بشئ عن اولئك الخارجين من جامع (دراغ) الان!.. نفس الوجوه  المستبشرة ونفس الافواه المتمتمة بالتسابيح وهم في طريقهم الى بيوتهم.. يصافح احدهم الاخر.. وشعرت بغصة في حلقي.. ايه.. حقاً تمنيت لو كنت في بغداد الان!..


            دعاني صاحبي الشاب ال (الجندارم) على قنينة من شراب احمر غير كحولي يسمونه هنا (مارتنيازي) مر الطعم ولكنه لذيذ في نفس الوقت!.. ويبدو انه من المشروبات المفضلة هنا...
         اوصلني صاحبي الى خارج (قسطنطينة) التي سحرتني بجمالها.. ثم ودعته وشكرته.. ومشيت وانا لا ازال مذهولاً بأجمل مدينة لم اكن قد سمعت عن روعة جمالها من قبل.. وهي بلا شك اجمل ما رأيت منذ بداية سفرتي هذه!..
بين جميع المدن... كانت هذه (جميلة الجميلات)..

ولمن يرغب بالاستزادة من مناظرهذه المدينة البديعة اترككم مع هذا الفديو على اليوتوب:
https://youtu.be/WGCCV92p5jk?t=198





 تحتاج احياناً الى   التخلي عن مقود حياتك .. لترى الى اين   يأخذك الطريق





وصلني التعقيب التالي من الاخ العزيز علي الدباغ


"تحتاج احياناً الى   التخلي عن مقود حياتك .. لترى الى اين   يأخذك الطريق"

يا لها من حكمةٍ تحوي روح الاقتحام وحب المغامرة وحيوية الشباب. وهي لا تدُلُّ بالتأكيد على الانفلات ولا الضياع ولا الانجراف مع التيّار... فالمِقْوَدُ لن يكون بالضرورة مادّيّاً يضع القوائم في تخطيط القادمِ من الامور ويحسبُ اسوأَ الاحتمالات... بل هو في ان يكون المِقْوَدُ قلبك وهو اصدقُ دليلٍ ان كان يؤمنُ بالله وبالخيرِ وبالنفسِ وبرجاحةِ العقل. وذلك بالضبط ما حصل معك على طولِ خطِّ سفرك وفي حلّك وترحالك... لقد كان الجمالُ يحفُّكَ والاستزادة من نهلِ الخبرات الانسانية ديدنُكَ والتوفيقُ في ركابِكَ. واظنّك اكتسبتَ سنيناً اضفتَها الى عمرِ خبراتِكَ فصارت جزءاً منك. وذلك لعمري هو النضجُ بابهى صورِه.

No comments:

Post a Comment